بســـــــــم الله الرحمـــــــــن الرحيـــــــــــم

29‏/9‏/2011

بيت جدى



تعودت من صغرها أن تذهب لذلك البيت كل يوم جمعة..كانت تســتيقظ مبكراً تجهز حقيبتها ومعها كتبها وألعابها..تســتقبل صباحها بابتســامة جميلة..تمسـك يد أمها وتذهبان معاً إلي بيت جدها..وما أن تصل حتي يرحب بها بالقبلات والأحضان والحلوي..وكذلك أمها..ثم تبدأ أمها في اعداد الفطور..ومن ثم يجلســون علي مائدة واحدة..دوماً ما كانت ترى لجدها عادات خاصة به في كل وجبة..وكانت تشاركه بعض تلك العادات..فما أحلي أن تتذوق الشــاي مع البسكويت الخاص به..أو أنها تشــرب فنجاناً من القهوة مثله ولكن لصغرها كانت تشـربه باللبن..كم كانت أيامها في ذلك البيت جميلة..تذهب لتلعب وحدها تؤلف الشـخصيات والألعاب لنفســها..وعندما يعود جدها من صلاة الجمعة تجرى علي السلم لتستقبله فيقدم لها ألواناً من الفاكهة..تجلس معه وتحكى له عن الروضة وتغنى له ومرة أرســلت له جواباً بالبريد..لم يكن ذهابها مقتصر في يوم الجمعة فحسب..بل كان ذلك البيت هو فرحة العيد بالنســبة لها.. فجميع العائلة تتجمع فيه أول أيام العيد.. وكذلك في الصيف كانت تمضى به أيام ليست بقليلة.

حتي جاء ذلك اليوم..رأته بعينيها الصغيرتين وهو يمضى إلي حيث لا رجعة إلا في الآخرة..جلست علي السلم تبكى وحدها..كانت صغيرة علي ذلك الحدث الكبير المفزع والتي كانت فيه شــاهدة علي أحداثه بكل تفاصيله.

عاد البيت للحياة من جديد بفضل خالها الأكبر..فقط كان يسكن في نفس البيت..فجدد فيه وقام بكل ما كان يقوم به أبوه رحمه الله..فكانت تذهب لذلك البيت كل حين وآخر..مجتمعة مع بقية العائلة..ولكنها بالطبع كلما دخلته أحســت بانقباض قلبها..وسرت قشعريرة في جســدها الصغير لتذكر جدها الحبيب وكيف أنه كان مصدر ســعادة ذلك البيت..وأحســت بأن البيت صار مظلماً عما كان من قبل..ولكنها عاشــت به بعد ذلك أياماً أخري جميلة مع خالها الذي لم يقدر له الله أن يكون له أبناء..فصار أبناء العائلة أبناؤه بحق..يسأل عليهم ويمرح معهم ويهتم بدراستهم ويعطيهم الهدايا ويشجعهم..ويتواضع في معاملته.

فســبحان الله الذى شــاء لذلك الخال أن يتوفى هو الآخر..ومن وقتها صار لذلك البيت صورة مخيفة في مخيلة تلك الطفلة وكأنه ظلام دامس..تخشى وترفض الذهاب إليه لأي سبب..ولكنها لم تعد طفلة الآن..وما زالت خاف ذلك البيت وتحول بالنســبة لها من مصدر ســعادة ومرح ولعب..إلي مصدر للحزن والآلام والخوف..فكم بكيت عليهما وكم اشــتاقت لهما..وتحاول أن تســعيد ذكريات طفولتها في ذلك البيت وتتذكر وتبتسم ولكن لا تلبث الدموع أن تغلبها..

والبيت كما هو..والأثاث علي حاله..كل شيء في موضعه..ولكن الحياة به اختفت.

هناك تعليقان (2):

  1. من المؤلم أن تصبح تلك الأماكن التي كانت في يوم من الأيام من الأيام مصدر سعادتنا وبهجتنا .. لتصبح بعد مدة أماكن موحشة مخيفة ..

    رائعة عزيزتي ..

    ردحذف
  2. فعلاً شيء مؤلم جداً
    جزاك الله خيراً علي التعليق والمرور وشكرا للمتابعــة

    ردحذف